لماذا كان هذا الرحيل قاسياً…له طعم يعلق في ذاكرة الوجع..ورائحته تعانق ضفاف الروح بأسى.. لماذا لملمت أحرفك..وقصائدك ..وبقايا صوتك..ويممت وجهك شطر الفقد..!! لماذا أنهيت القصة الأفلاطونية بجنونِ يائسٍ يعرف جيداً أن بعض الطرق لن تلتقي مثلما يريد..
مازلتَ عالقاً في مكان ما من ذلك القلب..العنيد..القاسي..سيد اللظى.وحارق المشاعر الجميلة..أو فلنقل مازلت عالقاً في روح طفلة استيقظت من غفوة طويلة على يديك..لتجد أن هناك يداً حانية تربت على قلبها المتعب..وتمسح بيد طاهرة على آلامها..قد غادرتها وبلا رجعة..!!
عرفتَ كيف تسكنها وتؤثث حضورك فيها..وتبني لك درباً خاصاً..تسلكه حين ينتهي بكما البعد..فتكون أقرب لها من الروح وأغلى. ألم تستعجل الرحيل..!!
ألم تترك الأيادي السمراء ملطخة بدم عشقك المهدور..وأدمعٍ سفكها اللظى على وجنتيها..وهي التي أعطتك يوماً بعد يوم ثقة لا تنتهي..وآماناً لا يفنى وليس له مثيل..؟!
كادت تغرق في نهر عميق من أدمعها..سفكه رحيلك على وجنتيها كلما لثمته زادها عذاباً وتأنيباً..!! راودتها لحظة ضعف..لو كانت أفلتت العنان..لكان مثلها مثل كثيرات عبرن بقلبك ودنسنه..وآثرت أن تترك عبورها طاهراً..جميلاً..شفافاً..معتق برائحة البراءة والصدق..والطفولة الجميلة.
كادت أن تغرق..فلفظت أنفاس ضعفها..ووقفت تناضل لآخر لحظة لعلك تستفيق..وتقول لها انه مجرد كابوس..لم يراودها..بل روادك أنت..!! لم يكن حباً البتة..ولكنه كان أقوى..وأنقى..وأثمن من كنوز الدنيا.. ألم تستعجل الرحيل..!!
وتركت نفسك للحزن يفترسك..وللأسى يمزج قهرك بغضبك ويؤججه على نار الولع والوله المكبوت..ففقدتها وكنت تخشى الفقد..وفقدتك..وأصبحت تخشى ولأول مرة الموت..!! هلاَّ انتظرت قليلاً.. لتستمع لصمتك الحارق يخترق كيانها..وصوتك المخضب بالعشق الجميل..وزفراتك الحرى..لعلها تكن المرة الأخيرة..!! هلاَّ انتظرت قليلاً.. لتقيم لك وداعاً يليق بك..وبتلك القصة الأفلاطونية التي عشقت تفاصيلها..ودقائقها وساعتها..لتقيم لنفسها مأتماً..فقد جدد غيابك يتُمها..وأسدل ستارة سوداء على روحها..فلا من يؤنس حتى وحشة موتها..
استعجلت برحيلك موتها.. سكنها الاستياء..والوحدة..وبقايا أصداء.. ودربك في القلب خالٍ لم ولن يملؤه وجود آخر.. أكانت تملك حيلة تحتال بها على نفسها؟!!
أكانت تملك أن تهبك ما ليس لها؟!! استعجلت الرحيل.. ويممت وجهها شطر الجنون..وشطر درب لا يعيد المارين..
ولا يهب للحزن منديلاً يمسح أدمعه..ولا يهب للروح المتعبة رصاصة أخيرة لترأف بها.. رحلتَ..وكانت ترجو ألا يكون رحيلك هكذا.. أو على الأقل أن ترحل قبلك.. عجيب هذا الموت..حين نطلبه لا يلبي..وحين نطلب الحياة يلبينا الموت..!! استعجلت..واستعجلت..
فلطالما حلمتْ بهذا الرحيل..الصامت..رحيلٌ يحررها من ذنبك..و لا يكبلها به..كنت سباقاً -ولأول مرة – فجرحتها وسكبت ملحك على جراحها..ومضيت لا تلوي على شيء..!! ونسيت أو تناسيت أنها ما زالت تنتظر منطقاً واحداً معقولاً يفسر لها..
كيف غادرت السحب حقولها..!! وكيف فقدت الوردة عطرها..!! وكيف ماتت النوارس على شواطئها..!! وكيف غفت الطفلة مرة أخرى ..ولم تستيقظ بعد..!!