غـــربـتي

غربتي أولها كان صعب جدا وآخرها، إذا كان لها آخر، أصبح لايطاق... في غربتي ضاقت بي الدنيا وانغلقت كل الأبواب بوجهي وأصبحت محاصر لايوجد من يساعدني ولا أستطيع ان ارجع لبلدي...
وبسببها أصبحت اسأل نفسي كل لحظة ماالجدوى من حياتي؟! ماالجدوى من وجودي؟!!
تراكمت علي المسؤوليات، وكل يوم أصبح خوفي يزيد أكثر وأكثر من المجهول، من الآتي...
ضاعت سنين عمري بلا جدوى... مهما حققت من انجازات، بالنسبة لي ضاعت سنين عمري بلا جدوى... هل تعرف لماذا؟؟
لأنها ضاعت واحتسبت علي وأنا بعيد عن وطني، عن بيتي الذي تربيت فيه، عن أحبائي، و عن أصدقاء طفولتي اللذين كبروا وعاشوا بعيدا عني بعدما كانوا جزءا مني...
بعد سنين طويلة من الغربة، بعد ان أخذتني دوامة الحياة، اكتشفت فجأة ان الناس الذين تركتهم خلفي منذ سنين طويلة لم يعودوا هم الناس الذين اعرفهم...
لقد أصبحت على يقين بأن الوجوه التي ودعتني والتي تركتها خلفي سوف لن أراها مجددا كما رأيتها آخر مرة؛ سوف ارى الأطفال الذين تركتهم ورائي قد اصبحوا رجالا ونساءا...
وقد أصبحت على يقين بأنني سوف ارى وجوههم التي ظلت تراودني في احلامي الجميلة طوال سنوات الغربة، سوف أراها مجددا، ولكن هذه المرة في وجوه أطفالهم...
نعم أطفالهم! هل تصدق!! كل هذا حدث بينما كنت أنا أسير غربتي...
وماذا عن الوجوه التي لن أراها مجددا؟ نعم لقد أصبحت على يقين بأن هناك وجوها سوف لن أراها مجددا... قد رحلت عن الدنيا بينما كنت أنا أسير غربتي...
إذا كتبت لي العودة، سوف ارى وجوها كبرت وتغيرت... ووجوها أتت للدنيا بعدي... ووجوها رحلت عن الدنيا بعدي سأظل أراها لكن في احلامي فقط... هذا إذا أعتقتني غربتي وكتب لي العودة...
كأن هذا لايكفي! لتزيد غربتي من عذابي... عذابي الذي يعتصر قلبي عندما اسمع خبر يؤلمني عن وطني أو أحبائي... وعذابي الذي يرافق فرحتي الممزوجة بالألم والحسرة عندما اسمع خبر مفرح عن وطني أو أحبائي وأنا بعيد عنهم لاأستطيع ان اشاركهم لحظات فرحهم...
حتى أكون منصف علي ان اعترف بأن غربتي قد عرفتني على اشخاص تركوا اثرا رائعا في حياتي واحتلوا مكانا كبيرا في قلبي لولا الغربة لم أكن سألتقيهم ابدا... لكن هيهات ان يبقوا! بسبب الغربة نفسها كانوا دائما يرحلون وسيظلوا دائما يرحلون!!
لو كتبت مهما كتبت فلن اوفي غربتي القاسية حقها من الوصف... هذه الغربة التي تستطيع وبدم بارد ان تجعل قلوب اناس تهرم وهم في عز الشباب...